د. زينب الآغا
يوم بعد يوم يزيد إدمان الكبار أكثر من الصغار على الألعاب الالكترونية، وفجرت منظمة الصحة العالمية مفاجأة، حيث عدت الإدمان اضطرابا صحيا، وأدرجته ضمن دليل الأمراض، وكون المدمنين عليها يبحثون عن السعادة الافتراضية، التي يفتقدونها بحياتهم، ولكن هناك مخاطر كبيرة للألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى التنمر والتحرش والمشكلات النفسية..
س: متى نستطيع أن نقول إن هذا الشخص لديه إدمان على الإلعاب الالكترونية؟
ج: عندما تتعدد الآثار السلبية، ويجلس الإنسان وقتا أطول من الحد المسموح به حسب آخر الدراسات للجهات الموثوقة، ويظهر عندها تأثير سلبي على جسده وصحته النفسية والفكرية كالإدراك، وعندها يصبح مشتتا وقليل التركيز، ولا يستطيع الوصول للهدف المحدد، كما يصبح عنيفا مع الآخرين، ويعتاد أن يحصل على ما يريد بالضرب والعنف، ويفقد توازنه العاطفي، بحيث لا يستطيع التعاطي مع الآخرين.
وهكذا، يتقوقع على نفسه، وتتعدى مظاهر التأثر شخصيته، لتشمل الناس من حوله، حتى يصبح كائنا غير اجتماعي. ابن خلدون يقول: إن الانسان كائن إجتماعي، يتعلم ممن حوله، بحيث يبتعد عن الإنزواء، ليؤثر في الآخرين ويتأثر بهم. وهذا ما نريده فعليا، أن يكون الشخص متوازنا عاطفيا وأخلاقيا. عدا إذا كانت علاقة الزوجين غير متزنة، فما مبرر أن يترك الرجل زوجته، ويدمن اللعب الإلكتروني مع أصدقائه..؟!
قد أكون آخر تربوية أشجع على الطلاق، لكن عندما تصل الأمور إلى طريق مسدود، نتيجة عدم وجود حوار نافع بين الزوجين وعدم وجود اتفاق بسبب إدمان الألعاب الإلكترونية وإهمال العائلة وغيرها من الأمور، فيكون الطلاق أولى. نحن نحث على التربية بالقدوة للأولاد، لأنها تؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على مستقبل الأبناء. نريد من الزوجين التعاون مع بعضهما البعض والتركيز على العائلة والبعد عن الأهواء والغريزة. فكأن ركيزة الحوار تعتمد على مبدأ “مد يدك وسأمد يدي، حتى نلتقي في منتصف الطريق”. نواجه التحديات ونحل المشكلات التي من ضمنها إدمان الألعاب الإلكترونية . حتى يتعلم الأولاد منا.
س: أحيانا تكون المشكلة بين الزوجين، لكنهم يبقون على حل يمكن أن أسميه (التعايش بالتراضي)، أي عدم الطلاق حفاظا على الأولاد، الذين يمكن أن يعيشوا في بيت دون أم أو أب. يعني موجودين وغير موجودين، فما رأيك؟
ج: هذا ما نسميه، الصبر في غير محله.. ويسمونه بـ (الموت الخفي للعلاقة الزوجية أو الطلاق الصامت)، نريد علاقة الزوجين أن تكون عميقة والتصرف بينهما كصديقين بأريحية والتعايش الحسن ببيئة مملوءة بالمودة والرحمة والطمأنينة. وهذه الخلطة السرية تنتج الشعور بالأمان وهو أساس لاستمرار الحياة الزوجية، أي عندما يغرس ويزدهر شيء من السكون والراحة بالقلب. والنتيجة تجعلك تتحدث إلى الطرف الآخر، الذي يساعدك ويدعمك ويتمنى لك الخير مثلما يتمناه لنفسه وتتبادل معه الأسرار. فنستنتج أن المودة هي مجموعة سلوكيات وأفعال إيجابية، معناها أن يحفظ كل شخص منكم الآخر ويخاف عليه، مثلما يخاف على نفسه. أما الرحمة، فهي غض الطرف عن مساوئ الشخص الآخر. فالرحمة تليّن القلب وتسمح لك بأن تنظر إلى المخطئ بعطف ورقة. فعندما يعيش الزوجان ويتعاملا بمودة ورحمة، فهذا أعظم بكتير من الانفتان العاطفي والميول القلبي. ليكن همنا، كيف أصلح عيب زوجي المدمن على الألعاب الإلكترونية، لأنني خائفة عليه، لا أن أكسره وانتصر عليه.
لنتفكر إن أحببت أن يعفو الله عنك، فاعف عن عباده، والله عز وجل يحب العافين، فالعفو سمة الأتقياء وشارة الأوفياء. إذا صفحت ارتحت، فلا تضع هذا الأجر مقابل شؤم الانتقام ورغبة التشفي. ولنتأمل بأن “خير الخطائين التوابون”.
عندها الأطفال يتربون في بيئة منتجة لشخصية القائد. عارفين أنفسهم والآخرين، و كيف يخرجون شوكهم بأيديهم في هذه الحياة الحافلة بالمصاعب..
أطفالنا أمل المستقبل، وإذا وقع الطلاق، فقد يكون رحمة بالأسرة، النبي صلى الله عليه وسلم طلق، من الخطأ النظر إلى الطلاق وكأنه كارثة اجتماعية، النكد سبب من الأسباب التي يواجهها الزوجين في حياتهم. في بعض الحالات قد ننصح بالطلاق، بعد طلب المشاورة من ذوي الخبرة..
س: نحن الآن في زمن الجميع يستعمل فيه الجوال والتابليت وآي باد.. الطفل يولد فيرى هذه الأجهزة في متناول يده طوال الوقت، لذا من الطبيعي أن يحدث هذا الإدمان. تشير دراسة إلى أن هذه الأجهزة تخفض إدراك الطفل وتركيزه، وتسهم في تراجع التحصيل الراسي لديه، بل وتؤثر على نمو الدماغ لديه.. ما تعليقك؟
ج: كل ممنوع مرغوب. قاعدة اولى. من الصعب أن نقول للأولاد لا على كل طلب. وقاعدة ثانية: نحن في زمن عم فيه الجهل وطم. زمن عجيب وغريب. التكنولوجيا لها وعليها، إذا عرفنا كيف نستخدمها بالطريقة الصحيحة. الذكي هو الذي يتعلم من أغلاط غيره، أين الفوائد التي من الممكن أن أحصل عليها، و كيف أتحكم بهذه التقانة وأسخرها لصالحي.
س: كيف يكون تأثير هذه الأجهزة على الدماغ، وكيف نستطيع بطريقة مناسبة أن نخفف من استخدامها، بحيث لا يصل الطفل إلى مرحلة الإدمان؟
ج: أول شي وأهم شيء، مثلما قلنا التربية بالقدوة، إذا صلح الأصل صلح الفرع، والعكس صحيح، عليك ألا تتوقعي أن يبقى الظل مستويا إذا كان العود أعوج، مثلا فإذا بقيت الأم، طوال الوقت، تستخدم هذه الأجهزة الضوئية والإلكترونية، ولا تستطيع الإقلاع عن هذا الاستخدام المفرط، فلا تلومي الأولاد إن لم يتعلموا إدارة الوقت، وإن لم يحققوا أهدافهم اليومية، إن لم تضعي جدولا زمنيا وتلتزمي به، لاحظ أحد العلماء أن طالبا لديه، يبقى مشتتا، طوال الوقت، فطلب منه أن يعيّر الوقت لمدة دقيقة، ويرى كم مرة يستطيع أن يقول فيها لا إله إلا الله، وكم لا حول و لا قوة إلا بالله. إنه يعلمه بطريقة غير مباشرة أن هذا الوقت مهم، وأن الأجهزة الإلكترونية والضوئية لا تؤثر فقط على مضيعة الوقت بل وعلى الصحة الجسدية كالنظر والرقبة وعيون وغير ذلك.
الخلاصة: تأمل أن المواعظ كالسياط.. والسياط لا تؤلم، بعد انقضائها كإيلامها وقت وقوعها. فلن تفيد كل النصائح التربوية في المقالات دون رغبتك الحقيقية بالتغيير. ابدأ بنفسك واعطف على اسرتك كما يعطف الثوب على الثوب ليقويه. فصلاح نفسك يؤثر إيجابيا بصلاح اسرتك. فكل التوصيات العالمية تؤكد على أهمية وجود مواطن دولي مستقل، منتج وسعيد. فالأسرة هي النواة الأولى في المجتمع، وهي سبب قوّته وتماسُكه. وتشكل الأسرة الحجر الأساسي لتمتع المجتمعات بالاتزان النفسي وبجودة حياة راقية. لا تبخلوا على أنفسكم وأولادكم باستمرار مسلسل الحب يوميا. أنت تحصد ما تزرع فاغتنم فراغك قبل شغلك حتى تتجنب إدمان الألعاب الإلكترونية وعندها تستطيع نشر السلام بكل شموليته في حياة الأسرة والمجتمع.